المقالات
شارك المقال!

[وَشَاوِرْهُم فِي الأَمْر]

خلق الله الإنسان وجبله على الضعف والوهن، يعتريه الضعف البشري النفسي والعقلي والعاطفي والبدني...{وُخُلِقَ الإنسانُ ضَعِيفًا} [١]

ومن ضعفه انحصار عقله واستغلاق فكره أحيانًا، ولو كان من أوفر الناس عقلًا وأشهرهم حكمة، لذلك امتدح الله -عز وجل- المؤمنين وعطف على استجابتهم لأمره تعالى: {وَأَمْرُهُم شُورَى بَينَهُم} [٢]

قال الحسن البصري -رحمه الله-: ما تشاور قوم إلا هُدُوا لأرشد أمرهم.[٣]

وقال الشاعر:

شاوِر سواك إذا نابتكَ نائبةٌ** يومًا وإن كنتَ من أهل المشوراتِ

فالعينُ تلقى كِفاحًا ما نأى ودنا**ولا ترى شخصها إلا بمرآةِ

ومن بديع القول في ذلك ما دبّجه الماوردي:

اعلم أن من الحزم لكل ذي لب أن لا يبرم أمرًا ولا يمضي عزمًا إلا بمشورة ذي الرأي الناصح، ومطالعة ذي العقل الراجح. فإن الله تعالى أمر بالمشورة نبيه – صلى الله عليه وسلم – مع ما تكفل به من إرشاده، ووعد به من تأييده، فقال تعالى: {وشاورهم في الأمر} [٤]

فلا غضاضة إذًا في اكتساب الرأي، فبه تضيف لخبرتك وتوسع مداركك ويبعد أفقك وتُهدى الصواب، لا سيما ممن جرّب الحياة وعركته التجارب، وكان مشوبًا بإيمانٍ وأمانة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (المستشار مؤتمن).[٥]

ومن أمانة المستشار بذله لباب عقله وصفوة فكره وعصارة خبرته. والعاقبة بشّربها بعض الحكماء قائلًا: من استشار العقول أدرك المأمول. وقبلها يأمن المستشير استبداده برأيه، ويسلم من ألم كرباج الملامة ولذع سياط الندامة.

فإن أحاطت بك دياجير المدلهمّات، وغشت بصرك وبصيرتك غشاوة الهم، فاضطرب جَنانك وشُلّت أركانك، فخذ بوصية طرفة بن العبد:

وإن بابُ أمرٍ عليك التوى *** فشاور لبيبًا ولا تعصهِ

وأحسن منه هذا الأمر الإلهي الحكيم: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.

قال النووي -رحمه الله-:

وتغني هذه الآية الكريمة عن كل شيء، فإنه إذا أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه نصًا جليًا، نبه نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة مع أنه أكمل الخلق، فما الظن بغيره؟! (٦)

___________________

  • النساء : ٢٨
  • الشورى: ٣٨
  • مصنف ابن أبي شيبة ( ٢٧٩٥٩)
  • أدب الدين والدنيا للماوردي : ص 300
  • سنن أبي داود (٥١٢٨)، جامع الترمذي (٢٨٢٢)، سنن ابن ماجه (٣٧٤٦)، مسند الدارمي (٢٤٩٣)، مسند أحمد (٢٢٣٦٠)
  • الأذكار للنووي : ص ٥٠٤

وكتبه: د. إيناس الركابي

مقالات مشابهة

مفاهيم خاطئة شائعة عن تجربة الاستشارة

هل فكرت يومًا أن تزور مستشارًا لكن راودتك شكوك حول جدوى الأمر؟ فيما يلي بضع ...

سبعة كاملة: في الاستشارة والمستشار

لا تزال العرب تعدُّ كل سؤالٍ للناس نقصاً، وكل احتياجٍ إزراءً، عدا خلق الاستشارة، فقد ...

الاستشارة لمحة في التصور والدلالة

يعزز التصوّر الإسلامي من الفعل الجماعي، ويعلي من شأنه ويحض عليه، وينبذ الفردانية ويحط منها، ...

الاستشارة في أدب العرب

العرب أمة حكيمة، فلا تراها تُزري بالعقل والعقلاء، ولا ترفع رأسًا بالجهل والجهلاء. ولحكمتِها حسَّنَتْ ...